انتشرت في الآونة الأخيرة عبر المواقع والمنتديات مواضيع تحتوي
على صور وملفات صوت وفيديو تعبر عن معجزات ..
كخروج نافورة من الرمال في الصحراء ،
وظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز .. وسحابة ترسم لفظ الجلالة ،
والفتاة التي تحولت إلى حيوان .. ومعظم هذه الأشياء تكون غير صحيحة
وملفقة .. وهذه الأشياء منتشرة جدا .
فما هو الحكم في مثل هذه الأشياء ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب
:
الحمد لله
آيات الله في هذا الكون كثيرة ، فكل ذرة فيه تشهد له سبحانه
بالعظمة والجلال ، وتنطق له بالوحدانية .
قال الله عز وجل :
(حم . تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ .
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ .
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ
فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )
الجاثية/1-6
وهكذا جاءت دعوة التأمل والتدبر في عشرات الآيات
في القرآن الكريم ، تحث على النظر في آيات الكون الظاهرة للعيان
،
لتتفكر فيها فترجع منها باليقين بالخالق ، وبالإيمان بوحدانيته سبحانه
.
والسمة المشتركة بين هذه الآيات هي الظهور للعموم ،
فالسماء والأرض والجبال والشمس والقمر والأنعام والمطر
والنفس وغيرها ، كلها آيات يشترك في رؤيتِها ومعرفتِها جميعُ البشر
،
ويتمكن كل إنسان من إدراك عظمتها ودلالتها على الرب الخلاَّق ،
وإن كان فيها للعالِم مِن الأسرار التي يختص بها دون العامي
،
ولكنها باديةٌ للجميع ، يستخرج منها كلٌّ بِحَسَبِهِ .
أما ما ينتشر اليوم من حديث عن " معجزات الطبيعة "
ومنها الأمثلة التي ذكرها السائل ، فمن حيث قدرة الله تعالى ،
فإن الله على كل شيء قدير ، كظهور لفظ الجلالة على جلود
الماعز أو على بيضة ، أو مسخ بعض الناس .
بل نؤمن بأن المسخ سيقع ، كما أخبر به
النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد روى الترمذي
(2212)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟
قَالَ : إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ)
صححه الألباني في صحيح الترمذي
.
هذا بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، وأما بالنظر إلى وقوع
هذه " المعجزات " ! فإن أكثر ما ينتشر اليوم منها لا حظَّ له
من التوثيق والتوكيد ، وأغلب ما يتناقله الناس منها إنما
هي أحاديث مجالس ، وصور منتديات ، لا يُدرَى مصدرُها ولا منشؤُها
.
أفبمثل هذه الحكايات يحتج المسلم على صحة دينه وعقيدته ؟!
وهل نقصت عنه أدلة الفطرة واليقين كي يلجأ إلى تلك الإشاعات
؟!
والموقف الصحيح من هذه الأخبار ، هو التوقف فيها
،
فلا نصدقها ، لاحتمال أنها كذب ، ولا نكذبها ، لاحتمال أنها صدق ،
ما لم يكن عندنا دليل واضح على صدقها أو كذبها فنجزم به حينئذٍ .
فينبغي على المسلم العاقل – الذي يعي ضوابط
التلقي والاستدلال – التأني في الإيمان بها والتصديق لها
،
فضلا عن نشرها ودعوة الناس إلى التسبيح بعجبها .
غير أن الذي وقع خلاف ذلك ، حيث انساق كثيرون
وراء هذه " الحكايات " ، فراحوا ينشرونها ويتحدثون بها في المجالس ،
ويتناقلونها في جوالاتهم ورسائلهم ،
ثم يفاجؤون بعد أيام أنها كذب مصنوع مختلق
،
نشره بعض المتحمِّسين للدين - جهلا وسذاجة - ،
أو بعض
الملحدين الحاقدين - استهزاءً وسخرية
- ،
مما كان السببَ في فتنة الكثيرين ، والله المستعان
.
فالذي ننكره هو التسرع في إثباتها ، وإلباسها لَبوس الإعجاز والتحدي
،
ودعوة الناس إليها ، واتخاذها شكل الظاهرة
المتفشية التي لا حدود لها ، فكل يوم يحمل منها قصة جديدة وحكاية.
حتى وصل الحال إلى صور من السخافة التي يترفع
عن تصديقها العقل السليم ، ترى ذلك في حكاية " صوت زئير الأسد "
الذي يسمع فيه بعضهم - شططا وتكلفا - صوت لفظ الجلالة .
وأشنع من ذلك وأسوأ : ما بلغ في بعض البلاد من التبرك
والتمسح والاستشفاء بشجرة ظهر على جذعها لفظ الجلالة
،
ثم تبين بالبحث أنه منحوت بفعل فاعل يريد إضلال الناس .
فعلى المسلمين التوقف عن ترويج مثل هذه الشائعات
التي قد تكون سبباً لإضلال الناس
.
ونسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول